سورة النساء - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}.
(ق) عن ابن عباس قال لما نزل قوله: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} الآية قال نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وقال السدي نزلت في خالد بن الوليد وذلك أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية وفيها عمار بن ياسر فلما قربوا من القوم هربوا منهم وجاء رجل إلى عمار قد أسلم فأمنه عمار فرجع الرجل فجاء خالد فأخذ مال الرجل فقال عمار إني قد أمنته وقد أسلم خالد أتجير علي وأنا الأمير فتنازعا وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير فأنزل الله تعالى أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وأصل الطاعة الانقياد وهو امتثال الأمر فطاعة الله عز وجل امتثال أمره فيما أمره والانقياد لذلك الأمر وطاعة الله واجبة على كافة الخلق. وكذا طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واجبة أيضاً لقوله تعالى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فأوجب طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على الخلق واختلف العلماء في أولي الأمر الذين أوجب طاعتهم بقوله وأولي الأمرم منكم. يعني وأطيعوا أولي الأمر منكم قال ابن عباس وجابرهم الفقهاء والعلماء الذين يعلمون معالم الناس دينهم وهو قول الحسن والضحاك ومجاهد وقال أبو هريرة الأمراء والولاة. وهي رواية عن ابن عباس أيضاً قال علي بن أبي طالب حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني قد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني».
(ق) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلاّ إن يؤمر بمعصية الله فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
(خ) عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله» وقال ميمون بن مهران هم أمراء السرايا والبعوث وهي رواية عن ابن العباس أيضاً ووجه هذا القول أن الآية نازلة فيهم. وقال عكرمة: أراد بأولي الأمر. أبا بكر وعمر لما روي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» أخرجه الترمذي وقيل هم جميع الصحابة لما روي عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» أخرجه رزين في كتابه وروى البغوي بسنده عن الحسن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام لا يصلح الطعام إلاّ بالملح» قال الحسن قد ذهب ملحنا فكيف نصلح قال الطبري وأولى الأقوال بالصواب قول من قال هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان لله عز وجل طاعة وللمسلمين مصلحة وقال الزّجاج وجملة أولي الأمر من يقوم بشأن المسلمين في أمر دينهم وجميع ما أدى إليه صلاحهم قال العلماء طاعة الإمام واجبة على الرعية ما دام على الطاعة فإذا زال عن الكتاب والسنة فلا طاعة له وإنما تجب طاعته فيما وافق الحق.
وقوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء} يعني اختلفتم في شيء من أمر دينكم والتنازع اختلاف الآراء وأصله من انتزاع الحجة وهو أن كل واحد من المتنازعين ينزع الحجة لنفسه {فردوه إلى الله والرسول} أي ردوا ذلك الأمر الذي تنازعتم فيه إلى كتاب الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ما دام حياً وبعد وفاته فردوه إلى سنته والرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجب إن وجد ذلك الحكم في كتاب الله أخذ به فإن لم يوجد في كتاب الله ففي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن لم يوجد في السنة فسبيله الاجتهاد وقيل الرد إلى الله ورسوله أن يقول لما لا يعلم الله ورسوله أعلم {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} يعني افعلوا ذلك الذي أمرتكم به إن كنتم تؤمنون بالله وإن طاعته واجبه عليكم وتؤمنون بالميعاد الذي فيه جزاء الأعمال قال العلماء في الآية دليل على أن من لا يعتقد وجوب طاعة الله وطاعة الرسول ومتابعة السنة والحكم بالأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون مؤمناً بالله واليوم الآخر {ذلك خير} يعني رد الحكم إلى الله ورسوله خير {وأحسن تأويلاً} يعني وأحمد عاقبة وقيل معناه ذلك أي ردكم ما اختلفتم فيه إلى الله ورسوله أحسن تأويلاً منكم له وأعظم أجراً.


قوله عز وجل: {ألم تر الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} قال ابن عباس: نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر كان بينه وبين يهودي خصومة فقال اليهودي ننطلق إلى محمد وقال المنافق بل ننطلق إلى كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الله الطاغوت فأبى اليهودي أن يخاصمه إلاّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي. فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال انطلق بنا إلى عمر فأتيا عمر فقال اليهودي اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه مخاصمي إليك فقال عمر للمنافق أكذلك قال؟ قال نعم فقال لهما عمر: رويداً حتى أخرج إليكما فدخل عمر البيت وأخذ السيف واشتمل عليه ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله فنزلت هذه الآية وقال جبريل إن عمر فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق. وقال السدي كان ناس من اليهود قد أسلموا ونافق بعضهم وكانت قريظة والنضير في الجاهلية وكانت قريظة حلفاء الخزرج والنضير حلفاء الأوس وكان إذا قتل رجل من بني قريظة رجلاً من بني النضير قتل به أو أخذت ديته مائة وسق من تمر، وإذا قتل رجل من بني النضير رجلاً من قريظة لم يقتل به وأعطى ديته ستين وسقاً فلما جاء الإسلام وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة فاختصموا في ذلك فقال بنوا النضير كنا وأنتم قد اصطلحنا على أن نقتل منكم ولا تقتلوا منا وديتنا مائة وسق وديتكم ستون وسقاً فنحن نعطيكم ذلك فقالت الخزرج هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية لكثرتكم وقلتنا فقهرتمونا على ذلك، فاليوم نحن إخوة في الدين فلا فضل لكم علينا فقال المنافقون منهم ننطلق إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي وقال المسلمون من الفريقين بل ننطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة الكاهن ليحكم بينهم فقال أطعموا اللقمة يعني الخطر فقالوا لك عشرة أوسق فقال لا بل مائة وسق ديتي فأبوا أن يعطوه إلاّ عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم فأنزل الله عز وجل آيتي القصاص وأنزل هذه الآية: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} الزعم والزعم بضم الزاي وفتحها لغتان وأكثر ما يستعمل الزعم بمعنى القول الذي لا يتحقق.
وقيل هو حكاية قول يكون مظنة للكذب ولذلك قيل زعم مطية الكذب والمراد به في هذه الآية الكذب لأن الآية نازلة في المنافقين وظاهر الآية يدل على أنها نازلة في الذين نافقوا من مؤمني أهل الكتاب ويدل عليه قوله آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يرون أن يتحاكموا إلى الطاغوت يعني كعب بن الأشرف في قول ابن عباس سماه الله طاغوتاً لأفراطه في الطغيان وعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل هو أبو بردة الكاهن في قول السدي وقد أمروا أن يكفروا به يعني بالطاغوت لأن الكفر بالطاغوت إيمان بالله عز وجل: {يريد الشيطان أن يضلهم} يعني عن طريق الهدى والحق {ضلالاً بعيداً}.


{وإذا قيل لهم} يعني للمنافقين {تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول} يعني هلموا إلى حكم الله الذي أنزله في كتابه وإلى الرسول ليحكم بينكم به {رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً} يعني يعرضون عنك وعن حكمك إعراضاً وأي إعراضاً وإنما أعرض المنافقون عن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم علموا أنه صلى الله عليه وسلم كان يحكم بينهم بالحق الصريح ولا يقبل الرشا.
قوله عز وجل: {فكيف إذا أصابتهم مصيبة} يعني فكيف حال هؤلاء المنافقين وكيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة يعجزون عنها {بما قدمت أيديهم} يعني تصيبهم عقوبة بسبب ما قدمت أيديهم وهو التحاكم إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا وعيد لهم على سوء صنيعهم ورضاهم بحكم الطاغوت دون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل المصيبة هي قتل عمر لذلك المنافق وقيل هي كل مصيبة تصيب في الدنيا والآخرة {ثم جاؤوك} يعني المنافقين حين تصيبهم المصائب يعتذرون إليك {يحلفون بالله إن أردنا} أي ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك {إلاّ إحساناً} يعني في التحاكم إلى غيرك لا إساءة {وتوفيقاً} يعني بين الخصمين لا مخالفة لك في حكمك وقيل جاء أولياء المنافق الذي قتله عمر يطلبون ديته وقالوا ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلاّ أن يحسن إلى صاحبنا في حكمه ويوفق بينه وبين خصمه، وما خطر ببالنا أن يحكم بما حكم به من قتل صاحبنا في حكمه ويوفق بينه وبين خصمه وما خطر ببالنا أنه يحكم بما حكم به من قتل صاحبنا فأهدر الله ذلك المنافق.

9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16